متنفس أراضٍ قاحلة للسوريين بدلاً من أحراج بسبب قطع الأشجار 

20 اغسطس 2023
تنقص مساحات الغابات كل عام في سورية (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

تهدد سنوات الحرب الطويلة والفوضى الأمنية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الخانقة، الثروة الحرجية في سورية التي شكلت دائماً متنفساً للسكان خصوصاً حين تلامس الحرارة 50 درجة مئوية في الصيف.

تحتوي غابة تقع في قرية جعبر بمحافظة الرقة أشجاراً خضراء فتية وأخرى بجذوع مبتورة قُطعت حديثاً بطريقة عشوائية في ظاهرة فاقمتها سنوات الحرب، وباتت تهدّد الغطاء الحرجي في البلاد.
قال أحمد الشيخ (40 عاماً)، خلال معاينته جذوعاً مقطوعة ترك الحطّابون قرب بعضها أغصاناً لا تزال نضرة: "تقطع الناس الأشجار لبيعها والحصول على مال، بينما يستخدمها آخرون للتدفئة خلال فصل الشتاء. رأيت قبل فترة أربع أشجار مقطوعة كانت جذوعها لا تزال خضراء فاعتصر قلبي ألماً".

أضاف الشيخ الذي يملك متجراً لبيع مواد غذائية: "كانت الغابة تعني الكثير للقرية، تجذب الزوار والطيور وتنقّي الهواء، لكنّ وضعها تدهور، وتنقص مساحتها عاماً بعد عام".

وأوضح أن السلطات المحلية تسيّر دوريات لحماية الغابة، "لكن إجراءاتها لا تنفع بسبب قلّة عدد الحراس المسؤولين عن مراقبة مساحات شاسعة. نسمع خلال الليل أصوات دراجات نارية تسلك الطرق الترابية للتسلّل إلى الغابة، وأيضاً صوت منشار الحطابين، كما يتسلّل آخرون خلال ساعات النهار لقطع الأشجار مستخدمين أدوات يدوية بهدف عدم جذب الانتباه إليهم، ثم يحضرون لاحقاً لنقلها إلى منازلهم". وإذا استمرّ الوضع على هذا الحال، فسنواجه التصحّر".

وعلى بُعد نحو عشرة كيلومترات، يتكرّر المشهد ذاته في قرية الطويحينة التي تقع على ضفاف نهر الفرات الذي يعاني من انخفاض مستوى المياه. وقال محمّد علي لدى تجوله بين أشجار مقطوعة: "كنّا أطفالاً نأتي مع أصدقاء للجلوس تحت ظلال شجر الكينا والصنوبر، لكن الأرض قاحلة الآن، بعدما أطاح القطع العشوائي حزاماً أخضر كان يمتد إلى قرية مجاورة".

ويقطع السكان الأشجار غالباً لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء الذي يكون قاسياً في المنطقة، في ظلّ الشح المزمن للمحروقات الذي تشهده سورية منذ سنوات، والانقطاع الطويل في تغذية الكهرباء.
وقال الرئيس المشترك لهيئة البيئة في الإدارة الذاتية الكردية التي تدير مناطق واسعة في شمال سورية وشمالها الشرقي، إبراهيم أسعد: "لا تملك الهيئة إحصاءً دقيقاً عن الأضرار، لكنّها واضحة في الغابات، ونحن نحاول تعويضها عبر زيادة وتيرة زراعة الأشجار وحمايتها من خلال العمل لتطبيق القوانين التي تعاقب كل من يلحق ضرراً بالبيئة أو الطبيعة".

وشدد على أهمية توعية السكان للحفاظ على المساحات الخضراء، "فحماية شجرة مهم لحياة الإنسان، ويقضي قطعها على المجتمع على المدى الطويل".

وعلى وقع انتشار ظاهرة القطع العشوائي في المحافظات كافة، حذرت منظمة "بناء السلام" (باكس) الهولندية، في تقرير أصدرته في مارس/ آذار الماضي، من تنامي ظاهرة قطع الأشجار.
وأورد التقرير أنّ "ارتفاع أسعار الوقود إلى جانب النزوح الجماعي يشكّلان الدافع الرئيسي لإزالة الغابات على نطاق واسع في أنحاء سورية، إذ يقطع المدنيون الأشجار بهدف الطهي والتدفئة".
أضاف: "ثمّة مؤشرات واضحة إلى أنّ الجماعات المسلّحة تستخدم قطع الأشجار غير القانوني وبيع الأخشاب كمصدر للدخل".

وخسرت محافظات اللاذقية (غرب) وحمص (وسط) وحلب (شمال) أكثر من 36 في المائة من أشجارها منذ عام 2011، بحسب منظمة "باكس".

وفي قرية الناصري بمحافظة الحسكة، اشتكى حسين صالح الحلو من عوامل التغيّر المناخي، وقال: "أثّر الجفاف على الأرض والزراعة والغنم، والأشجار التي نجت من الجفاف لم تنجُ من القطع العشوائي. ارتفعت الحرارة، ولم يعد المناخ كما في السابق".

(فرانس برس)
 

المساهمون